English
القائمة

التعلم المؤسسي
Governance
الحوكمة المحلية
الحماية والدمج
الابتكار والفرص

اسْتعادة ما هو مُغَيَّب

حكايتنا ستكون ملهمة، لها جذور ومعنى، في عالمٍ بحاجة للخروج من هيمنة مسار أحادي عالمي للتعلم والتقدم. حكايتنا ليست حلا ولا نموذجا ولا نسخة عن أيديولوجيات مهيمنة، بل هي تذكير بما لدينا كأشخاص وثقافات وطبيعة وحضارة من كنوز هائلة على أصعدة عدة؛ كنوز مغيبة.

هناك طريقتان للتعامل مع أي حدث نمرّ به: توثيق وتأمُّل. المدنية المهيمنة تركز على التوثيق الذي عادةً لا يقرأه أحد. هو سردٌ لنواحٍ سطحية مرئية، لا يدخل بالعمق ولا يظهر الكاتب فيه. التأمّل بالمقابل يعكس بالدرجة الأولى العلاقة بين المتأمِّل والحدث. فالتأمُّل علاقة روحية عميقة ترتبط بالتعبّد في الأساس. تركيزنا بمشروع "المجاورة على طريق العافية" على التأمُّل يتطلب انتباها للواقع الحقيقي لا المصنَّع، واندماجا يجعل الشخص والخبرة وِحْدَة، لا فاصل ولا حاجز ولا مصفاة (فِلْتِرْ) بينهما. اللغة المستعملة في التوثيق هي "اللغة الأم" التي تستعمل مصطلحات مؤسسية وتصنيفات أكاديمية، لا سياق لها ولا معنى ولا روح ولا ترتبط برؤية. المجاورة مثل كسر الصوص لقشرة البيض من داخلها، والتي تعني بدايةً لحياةٍ جديدة. العيش وفق مجاورات يعني استعادة حياة غُيِّبَت لكن لا مفر من استعادتها. أي شخص يرغب بتوثيق ما نمرّ به، ليفعل، فلذلك أهمية. التركيز بمشروعنا على بيان يبين ما اختلج ونما داخل الشخص نتيجة انتباه وتأمل واجتهاد في تكوين معنى وفَهْم وبيان.

ما هو برأيكم أخطر ما غيّبَتْهُ المدنية المهيمنة؟ شخصيًا أجد أن أخطر ما تغيّبه المدنية المهيمنة هو الواقع الموجود بالخليقة والذي يخفيه الواقع المُصَنّع الذي تصممه مؤسسات رسمية ومهنيون مرخَّصون وخبراء همُّهم الرئيسي إقناع البشر أن الماضي متخلف وولّى زمانه. الأداة التي يستعملوها هي "اللغة الأم" التي لا تستمد معانيها من الحياة، والمرتبطة في أحسن الأحوال بمهارات ومعارف تقنية. استعادة علاقتنا بالواقع تشكل جزءا أساسيا من جوهر مشروع المجاورة.

"اللغة الأم" ترجمة mother tongue)) تعبيرٌ لم يستعمله العرب قبل غزو الجاليات الأورو-أمريكية لبلادنا نهاية القرن التاسع عشر. اللغة الأم بقناعتي تُمثِّل الفيروس الأخطر الذي غزا عقولنا قبل أكثر من مئة سنة وعشَّش فيها حتى يومنا هذا. تتمثل اللغة الأم بلغة الكتب المقررة والمؤسسات والأكاديميا. ربما نحتاج ل"اللغة الأم" بنواحٍ تقنية لكن ليس بنواحٍ حياتية. الكتب المقررة في كل بلد تُلْزِم كل طالب بقراءتها عبر 10 سنوات، بغض النظر عن الواقع الجغرافي الثقافي المجتمعي الوجداني الاقتصادي؛ نفس اللغة للجميع، لا تتغير ولا تتبدّل! الأزهار التي تبقى كما هي بكل المواقع هي أزهار بلاستيكية. كذلك بالنسبة للُّغة التي تبقى كما هي، بشتى المواقع، يمكن وصفها بلغة بلاستيكية. لغة الأم نقيض اللغة الأم (رغم تشابه الحروف)، تشمل لغة التحادث والنطق والإصغاء والحكايات والشعر والأدب؛ لغة البيان والتبيين. اللغة الأم تغيِّبهم جميعا وتُخفيهم.

تحدثنا أيضا عن أهمية التمييز بين كلمات طيبة وكلمات خبيثة المغيّبة جميعا. هناك آية في القرآن الكريم تتكلم عن "كَلِمَة طَيِّبَة كَشَجَرَة طَيِّبَة أَصْلُهَا ثَابِت... وكَلِمَة خَبِيثَة كَشَجَرَة خَبِيثَة اجْتُثَّتْ مِن فَوْقِ الْأَرْضِ مَا لَهَا مِن قَرَار". يشمل مشروع "المجاورة على طريق العافية" التمييز بين النوعين من الكلمات. أي، هناك لغتان: لغة مرتبطة بالواقع الحقيقي ولغة مرتبطة بالواقع المصنّع. التمييز بينهما هام بالمشروع. هي مسؤولية يقوم كل شخص بالتفكر والتأمّل بكلمات يستعملها، ويقرر ما ينتمي منها للُّغة الأم وما للغات الحية.

كذلك، تكلمنا عن الفرق بين العيش وفق الوفرة والعيش وفق الندرة، وحكينا عن الأمن الغذائي كمثال، موضوعٌ تتكلم عنه منظمات عديدة حاليا. عندما ذكرتُ لزوجتي كارمن أني سأتكلم باللقاء عن النباتات البرية كأهم مكوِّن للأمن الغذائي، قامت بوضع بذور بقلة وبذور خبيزة (من الشرفة بشقتنا) على كرتونتين صغيرتين لأعرضهما باللقاء. فعلتُ وقلت: كم هو جميل أن تُعرَضَ على لوحة خشبية في كل مركز نماذج من بذور ونباتات برية بالمنطقة التي يتواجد فيها المركز وتذكير الناس أن الأمن الغذائي لا يحتاج إلى خبراء ومنظمات دولية بل إلى وعي ما هو موجود بالطبيعة من رب العالمين. النباتات البرية خالية من كيماويات وملوثات وبالتالي أغذية فيها كل العافية. يمكن أن تتكوّن مجاورة من نساء وشباب بالمركز تقوم بهذه المهمة. بهذه الطريقة يُأمَّن غذاء فيه كل العافية لكثيرين من أهالي البلد الذي فيه المركز؛ مثال رائع للعيش وفق الوفرة. إلى جانب ذلك، يشكل التحادث أعجوبة البشر وأروع فن والأكثر تحررا وإبداعا وتلقائية وصدقا، ويتوافق مع الوفرة. من الهام جدا أن يكون للتحادث، يوميا، فسحة بكل مركز. وأخيرا في هذا المضمار، تنتمي المجاورة كاللبنة العضوية ببنية المجتمع بالعيش وفق الوفرة. فالمجاورة تتكون من مريدين ومرادين، لا تحتاج لميزانية ولا لأي شيء بأغلب الأحيان.

جامعة بيرزيت أدخلت في 12 حزيران كلمة "يحسن" (كما بقول الإمام علي "قيمة كل امرئ ما يحسنه") ككلمة ترعاها لجنة من 6 أشخاص. ناحية يمكن أن تجمع بيرزيت وجهد هي الحكمة. من الصعب استمرار الحياة على الأرض دون استعادة الحكمة في حياتنا. جديرٌ بالذكر، استبيانٌ قامت به جريدة Christion Science Monitor نوفمبر 1997 حول أي الشعراء بيعت كتبه الأكثر بأمريكا ذلك العام. بينما أكثر شخص من حملة جائزة Pulitzer باع 10 آلاف نسخة، بيع ربع مليون نسخة من كتاب للرومي! مما يعكس عطش وجوع أمريكيين لنواح ترتبط بالقلب والروح والوجدان. أشخاص ممكن أن يبدأو بوضع تصور وفعل لجدْل أنسجة على هذا للصعيد: لينا ونبال بالنسبة للموقع، وإيمان وجهاد بالنسبة لاستعمال يحسن كمدخل لاستعادة الحكمة. وسأكون بعلاقة مستمرة معهم جميعا.

أملي مما سبق أن تصبح الكلمات الطيبة جزءا، يتزايد باستمرار، من اللغة اليومية المستعملة بالمراكز حيث تشفينا بالتدريج من كلمات خبيثة هي بمثابة فيروسات تغزو العقول وتشلّها حيث تفقد العلاقة مع الواقع الحقيقي – أي تصبح جهد بمثابة مشفى للعقول من مفردات هي بمثابة فيروسات تتحكم بالإدراك والعلاقات والسلوك. لنرفع دعاء "حيّ على الفلاح" في مراكز الأميرة بسمة، فالفلاحة كلمة من أجمل الكلمات باللغة العربية وأغزرها بالمعاني بمجالات شتى. لِنُبْقي "حيّ على النجاح" بمواقع ترتبط بالاستهلاك.

  • Back to top